في مفاجأة من العيار الثقيل ستمثل صدمة وردود فعل عنيفة في الوسط الرياضي كله تأكد هروب أبو تريكه وتوقيعه سراً لنادي أوروبي شهير دون علم إدارة النادي الأهلي.
عزيزي القارئ تخيل أن المستحيل قد حدث وطالعتنا وسائل الإعلام بمثل هذا الخبر يوما ما، فماذا سيكون رد فعلك وردود فعل الجماهير؟.
مؤكد أنه بعد زوال حالة الذهول والاندهاش ومع بداية وصول حقائق تؤكد الخبر وإزالة بعض ما خفي ونقاط الغموض سيتعاطف السواد الأعظم مع أبو تريكة حتى لو لم تكن مبرراته مقنعه، وأكثر الجماهير قسوة عليه لن يتعدى ردة فعلها أكثر من حزن وعتاب، ولكنها يوما لن تكره اللاعب بل ستبادر بالصفح عنه وغفران زلته مع أول اعتذار من أبو تريكة أو عبارة ندم يخاطب بها وجداننا، بل أبعد من ذلك ستختلق له الجماهير عشرات الأعذار والمبررات التي لم تخطر على باله هو شخصياً وربما اتهموا إدارة النادي بأنها لم تستطع الحفاظ على نجم النجوم، ولكن لماذا تطالب الجماهير بأقصى العقوبات على الحضرى في الوقت الذي يمكنها أن تتجاوز بسهوله عن نفس الخطأ لو ارتكبه لاعب مثل أبو تريكة؟.
أعتقد أن الإجابة لا تحتاج إلى تفكير، فالمرجعية السلوكية والأخلاقية لأبو تريكة ستكون سنداً كبيرا يشفع له، مع إيماننا باستحالة صدور مثل هذا الموقف منه ،أما مع الحضرى فالموقف مختلف تماماً، حيث كان اللاعب مثيرا للعديد من المشكلات والأزمات طوال 12 عاماً قضاها بين جدران النادي ولا تكفي مئات البطولات لتمحى أثرا واحد من كثير أمام خطأه الكبير في حق ناديه وحق ملايين الجماهير التي طالما رفعته على الأعناق وغنت له ومعه.
صفحات رمادية:
ومن يقرأ في صفحات الحضرى رغم إيماننا وحقه علينا في الاعتراف بكفاءته وخاصة في السنوات الأخيرة ومساهماته الجيدة إلا أن ذلك لن يغير من أسطر صفحات حياته الماضية التي ليست سوداء ولكنها أيضا لم تكتسي بالبياض الناصع، والتاريخ يقول أن الحضرى كان أنانياً عصبياً مثيرا للأزمات وظهر ذلك في أول موسم له مع الأهلي 95/96 حيث كان متذمرا لجلوسه احتياطياً لشوبير قبل اعتزاله، ولم يترك مديراً فنياً تولى قيادة فريق الكرة إلا أثار معه أزمة، حتى مع الجوهري مدرب المنتخب لأنه كان يجلسه احتياطياً لنادر السيد.
وبداية أزماته في الأهلي كانت مع هولمان الألماني أول من منحه الفرصة ليكون الحارس الأول بعد أن كان ترتيبه الثالث خلف شوبير ومصطفي كمال، فقد ثار الحضرى لمجرد أن مدربه يعاتبه على هدف ساذج دخل مرماه في افتتاحية الموسم أمام فريق الشمس ولولا احتواء ثابت البطل للموقف لعاد الحضرى للدكة.
ثم تعددت مشاكله مع تسوبيل بين عامي 98 و2000 بعد تسببه في خروج الأهلي من الدور قبل النهائي لمسابقة كأس مصر، ثم تدخله في مشكلة حسام وإبراهيم متخطياً دوره كلاعب وبينما كان ثابت البطل بصدد إصدار عقوبة للحضري كان القدر رحيما به حيث تمت إقالة الجهاز الفني والإداري قبل تفعيل قرار العقوبة.
وكانت أغرب أزمات الحضرى موسم2000/2001 هي الخصام الصريح لمدة ثلاثة أشهر مع هانز ديكسي الألماني والسبب أن الحضرى كان يريد من مدربه انتقاد الجوهري لاعتماده على نادر السيد المحترف وقتها في بروج البلجيكي كحارس أساسي للمنتخب في تصفيات أمم أفريقيا المؤهلة لكأس العالم بكوريا واليابان في الوقت الذي كان يرى دي***ي أن هذا ليس من اختصاصه التدخل في عمل المدير الفني للمنتخب مما اعتبره الحضرى تخليا من مدربه عن دعمه.
وفي موسم 2002/2003 تم خصم 10آلاف دولار من الحضرى لأنه هاج وماج على مدربه جو بونفرير الهولندي بسبب تطبيقه لطريقة 4-4-2 ورأى الحضرى أن هذه الطريقة تورطه كحارس مرمى لعدم وجود ليبرو صريح أمامه، وكان ذلك بعد خسارة إحدى المباريات أمام الرجاء المغربي بالمغرب في بطولة أندية أفريقيا.
وشهد موسم 2003/2004 انخفاض شديد في مستوى الحضرى مما تسبب في خسارة الفريق أمام رينجرز النيجيري في بطولة الأندية، ثم أمام الاتحاد السكندري في الدوري، ورفض الحضرى وقتها الاعتراف بهبوط مستواه وحدثت خلافات شديدة مع مدربه البرتغالي توني أوليفيرا وكادت تتطور إحدى المشادات بينهما إلى تطاول بالأيدي ، فاتخذ المدرب قرارا بتجميد عصام الحضرى طوال فترة تواجده مديرا فنيا للفريق، وقد صرح أوليفيرا قبل رحيله أن أفضل قرار اتخذه طوال عمله في النادي هو تحجيم نفوذ الحضرى وإيقافه عند حده، فهو لاعب " قماص" يريد كل شيء لنفسه وعلى هواه.
أما عن مشاكله وأزماته مع جوزيه فحدث ولا حرج، فقد بدأت أولى أزمات الحضرى في مارس 2005 عندما حسم الأهلي بطولة الدوري وقرر جوزيه منح الفرصة لأمير عبد الحميد في مباراة الفريق أمام الإسماعيلي بالإسماعيلية، وأعلن جوزيه التشكيل في غرفة اللاعبين قبيل المباراة ثم غادر إلى الملعب، فما كان من الحضرى إلا الثورة وت***ير الأكواب وإلقاؤه بزجاجات المياه الموجودة بالغرفة غير عابئ بوجود احمد ناجى وحسام البدري، ولما علم جوزيه بالواقعة، رأى أن الحضرى يفتقد القدوة والحكمة وهما أهم مقومات حمل شارة الكابتن فسحبها منه على الفور، وكانت بداية حقيقية لإثارة العديد والعديد من المشاكل والأزمات، وفي الوقت الذي كان يعلن الحضرى أن شارة الكابتن لا تعنيه في شيء، كان يضمر في نفسه حنقاً طغى كثيرا على تصرفاته وسلوكياته.
ذبح الحضرى:
قد يرى البعض أننا نتجنى على الحضرى ونسير في موكب ذبحه عملا بمثل "من يقع تكثر سكاكينه"، والحقيقة التي يجب أن ندركها جميعاً أن تاريخ أي شخص يكون مرجعاً للحكم عليه في اى موقف أو خطأ كبير يقترفه فإما أن يكون شفيعا وسنداً له أو تأكيداً لتركيبة نفسية وسلوكية تستحق أقصى أنواع العقاب، حتى في الأحكام القضائية يكون ماضي الشخص موضع اعتبار في إصدار الأحكام.
والتاريخ التطوري للسنوات التي قضاها الحضرى بين جدران النادي سجلت عليه ما لا يشفع له في خطأ هروبه.
وما فتحنا صفحات طويت إلا بحثاً عن رؤية شاملة تحكمنا بعيداً عن الأهواء والنزعات الشخصية ، وليكن في ذلك عبرة لكل لاعب تحدثه نفسه بسوء أو يهزم الشيطان بداخله نزعات الخير وليعلم أن التاريخ الأصم لا ينحني أمام العواطف أو المشاعر وإن مقابلة الإحسان بمثله يبقى شفيعاً أمام الأخطاء والزلات، وانه مهما عظمت الإنجازات فإنها لا تعطي أبداً حماية لأي انفلات أخلاقي ولا تدعم او تساند خروجاً عن المألوف.
مداد القلم:
ورغم أنني أكتب بعد علمي بتأجيل إدارة النادي لقرارات العقوبة المنتظرة ضد الحضرى حتى إشعار أخر وربما صدرت هذه العقوبات قبل نشر هذا المقال، إلا أن موقفي الثابت تجاه قضية الحضرى لن يتغير لأنني أتناولها كقضية عامة يمكن أن تتكرر، وخاصة أن بعض النقاد يثيرون دهشتي بدفاعهم عن الخطأ، بل ويدفعون إلينا بمبررات غريبة وعجيبة من عينة حق اللاعب في تأمين مستقبله وأنها أخر الفرص بعد أن تخطى الخامسة والثلاثين من عمره بعد أن حقق لمصر وللأهلي الكثير من البطولات، وكأن الحضرى كان يلعب بمائة روح وليس فردا وحدا ضمن منظومة كاملة تعمل من أجل تحقيق هذه البطولات، وإذا أقررنا بصحة دفوعاتهم المدهشة فإننا أيضا يجب أن نعترف أنها دعوة صريحة من قبل هؤلاء النقاد للفوضى وضرب استقرار الأندية وتخطى اللوائح والقوانين التي تسير هذه المؤسسات الرياضية بل وتخطى الأعراف والتقاليد استنادا على مبررات ودعاوى اقل ما توصف بها بأنها غبية.
وأقول للذين يدافعون عن الخطأ أن كلامكم يستفز السواد الأعظم من عامة الشعب البسطاء الذين يشغلهم كثيرا أن تزيد سعر سلعة بيتيه جنيها واحداً، وإلا فما معنى هروب من يحصل على أكثر من سبعة ملايين من الجنيهات سنويا دون اعتبار لأي مردود سلبي من جراء تصرفه بحجة تامين مستقبله، وما معنى أن يلجأ لهذا التصرف بدعوى أن ناديه يضن عليه بمنحه حق الاحتراف وهو الذي قضى 7 سنوات من عمره لم يكن فيها بالحارس النابغة ولم يرقى لهذا المستوى إلا من سنوات خلت لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، بعد أن بذل معه ناجى وإكرامي وغيرهما مجهودات خارقة ليصل إلى ما وصل إليه، ولم يصله على مدار عمره الكروي سوى عرضين أو ثلاثة للاحتراف لم يكونوا جميعاً على مستوى الطموح الذي يسمح بمجرد مناقشتهم بشكل جدي بما فيهم عرض سيون الهزلي.
وحتى لو سلمنا بحق اللاعب في الاحتراف، فهل نراعى حقه فقط أم يجب مراعاة ظروف واحتياجات النادي الذي صنعه أيضا؟، ولماذا لم يهرب أبو تريكة الذي قدم لمصر وللأهلي في خلال أربعة مواسم أضعاف ما قدمه الحضرى؟، ولم يعترض يوماً لرفض إدارة النادي كل العروض المغرية التي تنهال عليه وأخرها العرض القوى من خيتافي الأسباني، وفضل أن يبقى مادام ناديه في حاجة إليه، وها هي الإدارة توافق على منح متعب فرصة الاحتراف قبل مباراة القمة، لا لشيء، إلا لأنها رأت أن العرض الروسي أكثر احتراما ويليق باسم الأهلي وقيمة متعب.
أيدلوجية مجتمع:
وموقف الحضرى لا يختلف عن موقف ابن يحتاجه والده لمعاونته في تجارته مثلا، ويصر الابن على السفر لأي دولة بهدف تأمين مستقبله، فهل نبرر للابن الهروب من أبيه الذي كان سبباً في وجوده بدعوى تامين المستقبل وتحقيق الطموحات؟، أم ننصحه بمراعاة التوازن بين مطالبه وحق أبيه المشروع؟.
إنها قضية اجتماعية خطيرة قبل أن تكون رياضية، ولو سلمنا افتراضا بصحة وجهة نظر هؤلاء النقاد المدافعين عن الحضرى فإننا نتغافل عما يمكن أن يسببه هذا الطرح من خلل في المنظومة المجتمعية المحكومة بأطر أخلاقية وأعراف وتقاليد يمكن أن تنهار تماما، وخاصة إذا علمنا أن هناك الكثير من الكتاب البعيدين كل البعد عن الرياضة قد أدلوا بدلوهم في هذه القضية لصالح الحضرى دون حساب لأبعاد ما يمكن أن تنطوي عليه آرائهم وأطروحاتهم من تغيير في المفاهيم المجتمعية العقائدية لمن يؤمنون بهؤلاء الكتاب، ولا غرابة إذاً من تأصيل النظرية الميكيافيللية التي تقول أن الغاية تبرر الوسيلة في تسيير الأيدلوجيات الأخلاقية التي يرتكز عليها مجتمعنا، ولتذهب القيم والأخلاق إلى الجحيم.
وليعلم هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن التصرف الخاطئ للحضري أن مداد أقلامهم مغبون فيه لو لم يقطر حقاً وصدقا وأن أسنتها سيوف حق يجب أن تغمد في مواضعها مخافة يوماً سنسأل فيه عن خردلة لنا أو علينا فما القلم إلا دعوة ورسالة سماوية، خلقه الله بعد اللوح ليكتب آثار ابن أدم، فلنتق الله في أنفسنا وفي أمانة حمل الأقلام ومدادها.
كلمة أخيرة:
التاريخ الاحترافي في مصر يقر بتميز الأهلي في معاملة اللاعبين وأنه لم يضن يوماً على أبنائه بما في صالحهم، وإنه حامل لواء الريادة في منح فرص الاحتراف، ومنه احترف صالح سليم - مجدي عبد الغنى - هاني رمزي - حسام وإبراهيم حسن – هاني سعيد - أبو مسلم - أحمد سمير فرج - فيلي*** - أحمد بلال- وائل رياض - حسام غالى - شريف إكرامي - محمد شوقي - وائل جمعه – حسن مصطفي ومؤخراً وليس آخرا النجم عماد متعب.
فهل يعي كتاب ونقاد الغفلة؟، أم إنهم صم بكم عمي فهم لا يرجعون ؟!
بصراحة انا اتوقعها من لاعب خلوق زى ابو تريكة