هل أصبحنا فعلاً وطناً يطرد شبابه، وهم في عز قوة العمل.. وبات هؤلاء لا يطيقون الحياة فوق أرض الوطن، ويحاولون الهروب مرة ومرات، وهم يعلمون تمام العلم أنهم غالباً ما يموتون غرقاً.. أو يصبحون طعاماً لوحوش البحر. وهل هي مناسبة غريبة أن تزداد محاولات هروب شبابنا بينما الحزب الوطني الحاكم يعقد مؤتمره.. هل أراد هؤلاء الشباب أن يواجهوا أعضاء المؤتمر بالحقيقة المُرة
.. وهي أن الحزب الحاكم عجز عن توفير فرص العمل والحياة الكريمة وراح كل واحد منهم يدفع دم قلبه ويقترض لكي يهرب من الوطن؟! تلك هي الحقيقة المُرة.. فقد كادت أخبار »الهروب الكبير أو الموت غرقاً تغطي علي أخبار جلسات المؤتمر الكبير« في الصالة المغطاة باستاد القاهرة.
** كانت مصر ـ زمان ـ ياسادة دولة جاذبة للعمالة وكان يلجأ إليها كل باحث عن الطعام أو الشهرة والمال حتي قبل أيام سيدنا يوسف.. ولهذا وجدنا في مصر: البغدادي والنابلسي والتركي والعراقي والقبرصلي والكريتلي والتونسي والأناضولي والكردي والنجدي والبصري والموصلي ومازالت في مصر عائلات تحمل الأصول وأسماء البلدان التي جاءوا منها.
بل ووجدنا في مصر المالطي والاجريجي والطلياني وكثير من أبناء الفرنجة جاءوا يعيشون في مصر، يطلبون خيرها.. فماذا حدث.
** انقلبت الآية رأساً علي عقب. وأصبح شبابنا هم الذين يهربون من بلادنا.. بلادهم لكي يبحثوا عن لقمة عيش ولو عبر سفن الموت. وعرفت بلادنا للأسف عصابات الجريمة المنظمة لتهريب البشر، عرفت تجارة البشر وأصبح ثمنها غالياً. وبات كل شاب يحلم أن يصبح يوماً مثل »النمر الأسود« صاحب الفيلم المشهور الذي هاجر إلي النمسا ثم إلي ألمانيا وأصبح مليونيراً. ونسي كل هؤلاء أن الظروف لم تعد هي نفس الظروف. إذ هناك الآن في أوروبا مشاكل تواجه الأجانب بعد ارتفاع نسبة البطالة عندهم وأصبحت هناك قوانين تواجه الهجرة غير الشرعية.. ومطاردات علي الحدود.. وداخل المدن، واسألوا سفاراتنا في أوروبا، وجنوب أوروبا بالذات.
** ونحن في مصر الآن نتكلم كثيراً عن النتائج.. ولا نحاول معالجة الأسباب. علينا أن ندرس ونسأل: لماذا يهرب المواطن الآن.. هل هي البطالة وانخفاض فرص العمل.. أم هو الغلاء الذي يأكل الناس جميعاً. وهل الجنة الموعودة الآن هي إيطاليا وهي اليونان.. وأن مصر هي جهنم الحمراء.
وكانت السعودية ودول الخليج والعراق من أهم أسواق العمل أمام المصريين.. ولكن بعد سياسات توطين الوظائف هناك ـ فضلاً عن أحداث العراق ـ انخفض الطلب علي الأجانب.. وكان المصريون في مقدمتهم.
* ولم ندرس أسواق العمل في هذه الدول لنعرف ما الذي تريده.. وما نوع الخبرة المطلوبة هناك.. لم نفعل ذلك كما فعلت دول شمال أفريقيا من تونس والجزائر والمغرب.. وكما فعلت دول جنوب شرق آسيا التي أعدت شبابها ليعملوا كما تريد هذه الأسواق. لقد درسوا احتياجاتها ووجهوا التعليم إلي توفير ذلك.. إلا نحن.
فمازال التعليم المصري يتعثر ومازال يقدم نفس النوعية من الخريجين.. وكانت النتيجة أن المشروعات الجديدة داخل مصر لا تجد احتياجاتها.. وكذلك الأسواق الخارجية.
** ان دراسة سوق العمل من أهم الدراسات التي تحتاجها مصر الآن.. بعد انتهاء العصر الذهبي للموظف الحكومي في مصر.. ومن لا يصدق عليه أن يشاهد فيلم »شيكا بيكا« أو فيلم »النمر الأسود«.
ومنكم لله يا من دمرتم أحلام الشباب المصري فصمم علي الهرب.. والهجرة إلي الخارج