اللواء حسام سويلم: لا دخل للجيش في انتخاب جمال مبارك رئيساً! عبد الفتاح علي
عاد الجدل مرة أخري حول دور الجيش في فترة ما بعد مبارك علي سطح الأحداث، عقب التصريح الخطير الذي أدلي به اللواء أركان حرب حسام سويلم المدير السابق لمركز الأبحاث الاستراتيجية للقوات المسلحة، لوكالة الأسوشيتد برس (أ.ب) والذي قال فيه - وفقا لنص التقرير المنشور علي شبكة الانترنت-: «لقد أقصينا أنفسنا عن السياسة منذ وقت طويل جدا». مضيفا: «إذا انتخبوا (الراقصة) فيفي عبده أو (جمال) مبارك، فإنهم أحرار.. إنها ليست مهمتنا». هذا التصريح الخطير والمقارنة غير المتوقعة بين شخصيتي الراقصة ونجل الرئيس، سوف يعطي مؤشرات ودلالات في أغلبها ستصب في مصلحة نجل الرئيس بطبيعة الحال.. ويخرج المؤسسة العسكرية برمتها من أكثر الميادين خطورة وأشدها حساسية.. علي الرغم من أن الجيش حتي لو لم يمارس السياسة فهو أكبر وأقوي قوة سياسة في مصر.. وأكثرها تنظيما..
فعذرا للسيد اللواء حسام سويلم إن جانبته الحكمة بهذا التصريح الزلزال إن صلح التعبير.. خاصة أنه - أي التصريح - جاء بعد مقدمة طويلة جعلت كلام اللواء المخضرم يصب في وجهة نظر واحدة قد يقصدها وقد لا يقصدها، لكن الرصاصة أصبحت الآن خارج فوهة البندقية، ولا راد لها سوي قميص واق من الرصاص.
بدأ تقرير الوكالة الأمريكية، وكأن الأمر قد حسم بشكل نهائي، حيث يعمل النظام الحاكم في مصر بشكل ناشط من أجل ضمان انتقال السلطة بشكل سلس إلي خليفة الرئيس حسني مبارك، - ثم عاد التقرير يسأل- إلا أن السؤال الكبير الذي ما زال مطروحا هو: من سيخلفه؟
وعقب السؤال مباشرة ربط التقرير بين السؤال وبين مذبحة رؤساء التحرير الخمسة، الذين أدينوا بأحكام قضائي غير مسبوقة، حيث وصف التقرير هذه المذبحة بأنها فيما يبدو - محاولة لترهيب منتقدي توريث الحكم إلي جمال مبارك. كما تتواصل محاكمة عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، فيما قدمت الحكومة تنازلات لعمال مصانع الغزل والنسيج لوقف إضرابهم. وأجري الحزب الوطني الحاكم تعديلات كبيرة في قياداته.
ويبدو أن الحكومة المصرية، التي تعرضت إلي انتقادات من داخل مصر وخارجها، مصممة علي فرض الاستقرار، حتي لا تتعرض مصر إلي هزة أمنية وسياسية-علي حد تعبير الوكالة- عندما يحين وقت انتقال السلطة.
ولا يوجد نائب للرئيس المصري ، والخليفة المحتمل لمبارك، الذي تنتهي ولايته في عام 2011، هو نجله جمال، الذي ترفضه المعارضة. واحد أسباب القمع الذي تقوم به الحكومة الآن هو ترجيح عدم تدخل الجيش لفرض مرشحه الرئاسي كما حدث في الماضي.
انتهي التقرير وبدء الجدل من داخل السلطة في الخفاء وحتي في المعارضة في العلن، أن علي الجيش القيام بهذا الأمر، لأن مرشحهم سينال موافقة واسعة، خاصة أن الجيش مازال حتي الآن في أذهان المصريين، هو الحامي والدرع الواقي والملاذ الأخير والكفة الراجحة والأولي بالقيادة، لكن البعض الآخر من أنصار فريق الرئيس المدني يتعاملون علي أساس أن الجيش، الذي يقوده المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، أبعد نفسه عن السياسة منذ اغتيال الرئيس أنور السادات.. ولن يخطو خطوة واحدة خارج بوابات ثكناته العسكرية مرة أخري.. ويرون أن خروجه سيفتح الباب لنبوءة السادات التي قالها لأحمد بهاء الدين والمؤرخة في أحد كتبه بأن الجيش إذا خرج من ثكناته لن يعود اليها الا بعد خمسين سنة.
فريق الحكم للجيش يري أنه ضمانة ثابتة علي الاقل لمدة مؤقتة ترسم بدقة بين مختلف القوي والتيارات، تمهيدا لرئيس مدني معلوم ومختار بين أكثر من مرشح متساوي الفرص والامكانات.. ويستدل أنصار هذا الفريق بانتفاضة 1977 والأمن المركزي 1986.
لكن هناك رأياً ثالثاً أري أنه أكثر وضوحا، وأكثر شفافية وأكثر ضمانة من الرأي الأول المدني ومن الرأي الثاني العسكري المؤقت.. هذا الرأي يقوم علي إعادة ترتيب البيت من جديد - وفقا لثوابت راسخة وموجودة في عقول وضمائر الناس بمختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم - بحيث يتم اعلاء وتقوية الشق البرلماني ومنحه جزءاً من القوة الرئاسية واختيار رئيس وزراء مدني يتحمل المسئولية أمام الشعب وأمام البرلمان وأمام رئيس الجمهورية الذي ينص أو يتفق علي قدومه من المؤسسة العسكرية، وتكون بيده سلطة الحل والدعوة لانتخاب أعضاء البرلمان وانتخاب رئيس الوزراء.. ويقوم بدور الرقيب والحامي والملاذ الأخير لأي محاولة لفرض إرادة أمريكية أو خارجية علي عملية صنع القرار في البلد.
النظام البرلماني العسكري يضع الجيش في ثكناته صحيح، لكنه لا يبعده عن أهم واجباته، إن لم تكن الأهم علي الإطلاق، وهو الحفاظ علي استقرار البلاد من الداخل قبل الخارج.. فليس مطلوباً أن ننتظر ثورة او تمرداً أو حركة غاضبة أو خللا في موازين الحكم حتي يتحرك الجيش بعد خراب مالطا.. فمن بيده فرض النظام بعد الأزمة بيده الحل والضمان قبل الأزمة.. خاصة أن قوة الجيش لها خاصية فريدة وحصرية وهي قوة لا تقبل القسمة علي أي رقم سوي الرقم واحد.. بمعني أنه إما تحصل علي مباركة الجيش كلها أو لا تحصل عليها تماما.. علي خلاف قوة رجال الأعمال المتنامية، التي تقبل القسمة علي كل الأرقام، ما عدا الرقم واحد.. وبالتالي فإن الرهان علي قوة رجال الأعمال رهان خاسر مهما تدخلت ومهما حصلت من نفوذ وسيطرة في حين أن الرهان علي الجيش دائما كسبان مهما ابتعد عن السياسة ومهما ظل في ثكناته، بل علي العكس هذا يزيده قوة واحتراما وشعبية.
وقتها لن نجد حزبا أو جماعة أو طائفة أو تكتلا للمصالح يفرض أجندة أمريكية، لمجرد أنه يسوق رجال الأعمال ويوظف إمكاناتهم لخدمة هذا الحزب أو هذه الجماعة أو الطائفة أو تكتل المصالح.. لأن الرئيس العسكري المنتخب أيضا من قبل الشعب سيكون مستندا لمؤسسة لا خلاف، ولا جدال ولا مجرد شك في وطنيتها وأهليتها لحماية الاستقرار.. وهو الحادث الآن مع الرئيس مبارك.. الفارق بين الآن وما هو آتٍ أن الصلاحيات التي يتمتع بها مبارك، لن تكون بأمان ولن تطمئن القوي السياسية المختلفة، ولا حتي أفراد الشعب العاديين في وجودها مع من سيخلفه، خاصة أن علامات استفهام كبيرة تحيط بمن سيخلف وبمن حوله.. خاصة أن البعض يري قوة جمال مبارك كضوء القمر مصدرها الأساسي وجود الشمس في مكانها علي رأس السلطة في مصر لا من التفاف رجال الأعمال والمصالح حوله.
قد يرفض الاقتراح الثالث وقد يوأد، هذا ليس مهما.. المهم أننا لا يجب أن نتذرع بالرغبة في المدنية وتولي مدني حكم البلاد في وقت ليس فيه سوي مرشح واحد يدعمه رجال أعمال مصالحهم تحدد سلفا في واشنطن.. بل إن الأمر قد يتجاوز ذلك بالتشكيك في وطنية مؤسسة واخلاصها ووفائها.. لمجرد تمرير اسم بعينه أو لمجرد ترجيح كفته علي حساب استقرار هذا البلد.. وهنا الكارثة سترتدي ثوبا أنيقا اسمه المدنية.
كانت قناة الجزيرة منذ أيام فتحت نقاشا حول دور الجيش في فترة ما بعد مبارك واستضافت ثلاثة ممن رأت أن لديهم رؤي في هذا الاتجاه، لكن أحدهم وهو اللواء أركان حرب صلاح الدين سليم اعتذر لحساسية السؤال.. في حين أدلي اللواء محمود خلف، القائد السابق للحرس الجمهوري والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية بدلوه في اتجاه تجنيب الجيش ميدان الصراع علي قمة السلطة.. لكن الضيف الثالث وهو الدكتور أحمد ثابت الأستاذ المخضرم للعلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية كان اكثر مرونة وأكثر صراحة، عندما قال إن لديه معلومات تؤكد أن هناك أجنحة في النظام ترفض توريث الحكم لنجل الرئيس علي رأسها الجيش والمخابرات معللا الأمر بأن جمال مبارك ليست له مجموعات مصالح داخل الجيش والمخابرات".
وشدد ثابت علي أهمية أن يكون الرئيس القادم عسكريا سابقا ممن يرضي عنه الجيش وتوافق عليه المخابرات، وقد يكون علي سبيل المثال رئيس المخابرات الحالي نفسه اللواء عمر سليمان إذا اقتضي الأمر.
بل إن هناك قيادات في الحزب الوطني مثل جهاد عودة أيدوا فكرة الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية، حين قال لوكالة الاسوشيتد برس إن عدم تدخل الجيش في هذا الأمر يرجح احتمالات الفوضي في البلاد. لذلك فإن وجود عسكري علي رأس نظام برلماني قد يجنب البلاد كوارث من يرفعون دعوة حق يراد بها باطل